سلوك ابنك يتغيّر أمامك.. علامات صامتة لإدمان المخدرات
تتغير نبرة صوته فجأة، تتراجع درجاته الدراسية دون سبب واضح، ينسحب من اجتماعات العائلة... تصرفات قد يراها الأهل تمرّدًا مراهقًا عابرًا أو أزمة نمو طبيعية، لكنها في بعض الأحيان تكون صفارات إنذار صامتة تحاول أن تقول إن الابن(ة) قد انزلق إلى دوامة إدمان المخدرات.
يظن الكثيرون أن أعراض التعاطي تظهر بشكل فجائي وصادم، لكن الحقيقة كما يؤكد الأطباء والمختصون أن الإدمان يبدأ في الظل، متخفياً داخل سلوكيات تبدو للوهلة الأولى مجرد مشاكل عادية أو تغيرات مزاجية طبيعية.
فكيف نميّز بين تقلبات المراهقة الطبيعية وأعراض الإدمان المبكرة؟ هذا ما سنحاول كشف النقاب عنه من خلال آراء المختصين والأبحاث الطبية الموثوقة.
الطبيبة المختصة في علاج الإدمان والإقلاع عن التدخين في مستشفى الرازي فاتن ادريس تؤكّد أنّه وحسب آخر إحصائيات لسنة 2021 فأن استهلاك مادة الكوكاين و الهيروين يتراوح بين 0.6 و0.8% والقنب الهندي (الزطلة) حوالي 9% في صفوف المتمدرسين بين 16 و18 سنة.
1. التغيرات السلوكية والاجتماعية: البوصلة الأولى نحو الخطر
يشير الأطباء والمستشارون النفسيون إلى أن أولى العلامات التي يلاحظها الأهل هي التغير الجذري والمفاجئ في نمط الحياة، وهي أعراض سلوكية تكشف فقدان السيطرة، وتشمل:
العزلة والانسحاب الاجتماعي: الميل المفاجئ للعزلة، وقضاء وقت طويل بمفرده في غرفته، كذلك الانسحاب من الأنشطة العائلية أو الهوايات التي كان يمارسها سابقاً. هذا السلوك يهدف إلى التخفي وتجنب نظرات الأهل وهو أحد الأعراض المبكرة والشائعة لتعاطي المخدرات (حسب دراسة نشرت في Journal of Adolescent Health).
تغيير دائرة الأصدقاء: ظهور أصدقاء جدُد غامضين، والابتعاد عن الأصدقاء القدامى. وغالباً ما تتسم دائرة الأصدقاء الجديدة بالسلوكيات المشبوهة ويرفض الإبن(ة) الحديث عنهم أو تعريف العائلة بهم، هو من أكبر الإشارات الحمراء لأن المتعاطي غالباً ما يبحث عن شريك في السلوك أو بيئة تتقبل إدمانه.
السرية والكتمان المفرط: عندما يصبح باب الغرفة مغلقاً بشكل دائم، والهاتف محميًا بكلمة سرّ، والغضب عند محاولة الاقتراب من خصوصياته.. هذه التصرفات يجب أن تدفع الأولياء إلى الشكّ والتثبت لأنّ التحول من الانفتاح إلى التكتم الشديد يستدعي التساؤل.
التدهور الدراسي أو الوظيفي: تراجع ملحوظ في الأداء الدراسي أو الوظيفي، وكثرة الغياب غير المبرر أو التأخير عن العودة إلى المنزل ومشاكل الانضباط هي غالباً من العواقب المباشرة للتعاطي، التي تؤثر على التركيز والذاكرة والدافع للتعلم.
الكذب والعدوانية: تقلبات حادة في المزاج، نوبات غضب غير مبررة، أو اختلاق أعذار متكررة لتبرير السلوك أو الغياب.. هي علامات تحذيرية قوية.
العصبية غير المبررة: المخدرات تعبث بالتوازن الكيميائي للمخ، مما يؤدي إلى تقلبات حادة ومفاجئة في المزاج. قد ينتقل الإبن(ة) من حالة الهدوء إلى نوبة غضب عارمة بسبب أمر بسيط لأن جهازه العصبي في حالة فوضى، ويمكن ملاحظة التجائه للكذب المستمرّ واختلاق الأعذار لتبرير سلوكه أو غيابه أو حاجته للمال.
المشاكل المالية: طلب متكرر وغير مبرّر للأموال، وأحيانا اختفاء ممتلكات بسيطة من المنزل (هاتف، نقود، مصوغ) أو بيع أغراضه، في سعي منه لتأمين ثمن المخدرات.

2. الأعراض الجسدية والنفسية.. رسائل صامتة
لا يقتصر التعاطي على السلوك فحسب، بل يترك بصمات واضحة على الجسد والمزاج، وهي أعراض قد يفسرها الأهل على أنها إرهاق أو مرض عابر، بينما هي مؤشرات قوية للتعاطي، خاصة عند استهلاك أيّ نوع من أنواع المخدرات:
احمرار العينين: من الأعراض الكلاسيكية لتعاطي المخدرات وقد يحاول الابن(ة) تبرير ذلك بأنها نزلة برد أو إرهاق، أو قد يستخدم قطرات العين لإخفاء الاحمرار.
اتساع حدقة العين (Pupil Dilation): بعض المواد تسبب اتساعاً ملحوظاً أو تضييقاً للحدقة، وهو أمر يلاحظه الأطباء بسهولة.
اضطراب الشهية والنوم: يعرف عن القنب الهندي أنه يزيد الشهية بشكل كبير (نهم غير طبيعي)، وقد يتبعه زيادة ملحوظة في الوزن.
اضطرابات النوم: النوم لفترات طويلة جداً (بين الخمول والكسل) أو العكس الأرق وصعوبة النوم أو اضطراب دورة النوم والاستيقاظ بشكل عام.
تغيرات في المظهر العام: الإهمال الواضح في النظافة الشخصية والمظهر العام، وتدهور العناية بالذات.
التقلبات المزاجية الحادة: الانتقال السريع بين الهدوء المفرط أو اللامبالاة إلى العنف والهيجان المفاجئ، أو المعاناة من أعراض اكتئاب وقلق غير مبررة.
رعشة غير مفسرة في اليدين أو اضطراب الكلام: هذه أعراض عصبية مباشرة لتأثير السموم على الجهاز العصبي المركزي.

3. نصيحة الأطباء: التعامل الفوري مع الشكوك
يؤكد المختصون في علاج الإدمان أن العامل الحاسم هو التدخل المبكر، يجب على الوالدين تجنّب ردود الأفعال العنيفة أو اتهام الابن(ة) بجعله "مجرماً"، فالمدمن مريض وضحية يحتاج إلى الدعم والعلاج.
الأولوية للدعم والحوار: ينصح الأطباء الأولياء بالتحلي بالهدوء ومواجهة الابن(ة) بحبّ، وتوفير جوّ أسري داعم وآمن والعمل على الإحاطة به ومعالجته لا معاقبته (تجنب التهديد والعنف).
الاستعانة بالمختصين: لا يجب التردّد في طلب المساعدة الطبية بصفة عاجلة، في بعض الحالات، قد يكون تحليل المخدرات هو الطريقة الوحيدة للتأكد، خاصة في حال الإنكار الشديد. كما يوصي الأطباء الأولياء بعدم الشعور بالخجل من إخضاع أبنائهم للتحليل، لأنه إجراء ضروري لإنقاذ حياة المتعاطي.
رحلة الوقاية والعلاج من الإدمان تبدأ في المنزل، بالانتباه إلى التفاصيل الصغيرة التي قد تحمل أكبر المخاطر
لا تدعوا الإدمان يدمّر مستقبل أبنائكم تحت ستار "التغيرات العادية" وتذكروا كوالدين وكعائلة أنكم خط الدفاع الأول، فالملاحظة الواعية المقترنة بالحب غير المشروط والدعم الطبي المتخصص، هي القوة الحقيقية التي يمكن أن تسحب أبناءكم من دائرة الظلام، وتعيدهم إلى برّ الأمان.. إنقاذهم مسؤوليتكم الآن قبل فوات الأوان.
*أميرة العلبوشي
(صور مولدة بالذكاء الإصطناعي)